أطر العلاقة بينَ العلاقاتِ العامَّةِ ووسائلِ الإعلامِ
1410هـ -1989م:
السّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ،،،
أشكرُ للمسئولينَ في هذهِ الإمارةِ دعوتَهم لي للتحدّثِ في هذا اللقاءِ… وأودُّ أن أشيرَ إلى أنّ ما سوفَ يقالُ ليس في حقيقةِ الأمرِ محاضرةً بالمعنى المفهومِ للمحاضرةِ ولكنّهُ عناوينُ مختصرةٌ لقضيّةٍ مهمّةٍ لعلَّ في ذلك مشاركةً لإثارةِ الاهتمامِ على المستوى المحليّ.. ويعودُ الاهتمامُ المتزايدُ بالعلاقـــاتِ العامّةِ في عصرِنا الحاضرِ إلى جملةٍ من الأسبابِ منها أنَّها تعتبرُ نشاطا اجتماعيّا وإنسانيّا وتنظيما لا تكادُ تخلو منهُ أيُّ جهةٍ سواءً كانت حكوميّةً أو خاصّةً وذلك لأنَّها تهدفُ إلى خلقِ التكيّفِ الحضاريِّ بينَ مؤسّساتِ المجتمعِ على المستوى الداخلي أو الخاصِّ للمنشأةِ.
ويعرّفُ البعضُ العلاقاتِ العامةَ بأنّها عبارة عن الجهودِ المقصودةِ المستمرةِ والقائمةِ على خططٍ من أجلِ الوصولِ إلى التفاهمِ المتبادلِ بينَ مؤسَّسةٍ ما، وبينَ الجماهير التي تتعاملُ معَ هذهِ المؤسَّسةِ.
ويرى تعريفٌ آخرُ ” أنَّها نشرُ المعلوماتِ والأفكارِ والحقائقِ مشروحةً مفسرةً للجماهيرِ، وكذلكَ نقلُ المعلوماتِ والآراءِ والحقائقِ من الجماهيرِ إلى المؤسَّسةِ بغيـةَ الوصولِ إلى الانسجامِ أو التكيّفِ الاجتماعيِّ بينَ المؤسَّسةِ والجماهيرِ”.. وأيضا هناكَ دورٌ آخرُ يجبُ أن تضطلعَ به إدارة العلاقاتِ العامّةِ ويمثلُ جانبا مهمّا من نشاطاتِها وذلكَ بتنظيمِ وتقويةِ العلاقةِ بين وحداتِ المنشأةِ التي تتبعُ لها إدارة العلاقاتِ.. وبمثلِ هذهِ المهمّةِ يضمنُ تكاملَ الأداءِ وجودةَ العطاءِ.. فليسَ من الممكنِ رسمُ صورةٍ متكاملةٍ تحظى بالتقديرِ والاحترامِ لأيِّ جهازٍ أو منشأةٍ كانت ما لم تكن أصلا كذلكَ من الداخلِ.
وفي ضوءِ هذهِ المهمّاتِ المختصرةِ لإداراتِ العلاقاتِ العامةِ يمكنُ لنا تقويمُ عملِ هذهِ الإداراتِ سلبا وإيجابا.. وعلى الرّغمِ من أنَّ العلاقاتِ العامّةَ أصبحت تخصّصا قائما بذاتِه له نظرياتـــه ومفاهيمـــه التي تُدرّسُ على مستوى المراحلِ الجامعيةِ إلَّا أنَّ هناكَ في عالمِنا الثالثِ – بكلِّ أسفٍ- فاصلا كبيرا بينَ النظريةِ والمفهومِ وبينَ الممارسةِ الفعليةِ.. إلى درجةِ أنَّ طلّابنا الذينَ يتخرّجونَ من قسمِ الإعلامِ تخصّصِ علاقاتٍ عامّةٍ يؤكّدونَ لنا في كلِّ مرّةٍ أنَّ علاقتِهم بما تعلموه في الجامعةِ تنتهي بمجرّدِ استلامِهم لأعمالِهم في إداراتِ العلاقــاتِ.. وينتهونَ إلى أنَّ تطبيقَ ما تعلّموه غير ممكنٍ.. وذلك ليسَ لعدمِ صلاحيّةِ النظريّةِ للتطبيّقِ.. وليسَ لأنَّ ما تلقّوه في الجامعةِ يصعبُ تنفيذُهُ في أرضيّةِ الواقعِ لخللٍ في التّخصّصِ من وجهة ِالنّظرِ التّعليميّةِ.. ولكن المشكلة تكمنُ في المفهومِ السائد في العلاقــاتِ العامّة في ساحةِ العمل.. وهو مفهومٌ لا يقتربُ من الصوابِ بأيّ حالٍ من الأحوال وأخلَّ إلى درجةٍ كبيرةٍ بالمهمّةِ التي يجبُ أن تكونَ لإداراتِ العلاقات العامّة وحصرها في مساحةٍ ضيقةٍ جعلَ منها إداراتٍ ثانويةً على الرّغمِ من أنّها في العالم المتقدّم ترتبطُ مباشرةً بصاحب القرار في أي منشأة كانت وتحتلُّ مكانةً مرموقةً في الصفِّ الأوّل.. أمّا في عالمنا فإنَّ مهمّةَ العلاقاتِ العامّة تتمحورُ حول تقديم الجوانب التي تعتقدُ أنَّها مشرقــة للمؤسَّســةِ التي تعمــلُ فيها وتلقي عليها الأضــواءَ المستمرّةَ خطـــــأ كانت أو صوابا..
وقلَّما تحاولُ الإشارةَ إلى الجوانبِ السلبيةِ حتَّى لأصحاب القرار فيها.. بالإضافةِ إلى مهمّاتِ الاستقبالِ والتوديع.. ونتيجةً لذلك يرى بعض الإعلاميينَ أنَّ العلاقـــاتِ العامّةَ والدعايةَ مرادفان لبعضهما البعض.. وهذا مفهوم خاطئ قد يؤثرُ على المصداقيةِ التي يجبُ أن تكونَ بين العلاقاتِ ووسائلِ الإعلام.
إن قضيةَ إداراتِ العلاقــاتِ العامّــة تكمنُ بالإضافـــة إلى سوءِ المفهومِ في عدم وجــودِ تنظيماتٍ إداريةٍ واضحةٍ لهذه الإداراتِ في معظمِ دولِ العالمِ الثالثِ.. وكذلك عدم وجودِ أخصّائيينَ مهنيينَ على درجةٍ عاليةٍ من الخبرة والكفاءة تتولَّى العملَ بإداراتِ العلاقاتِ العامَّة ورفـــعَ مستوى الأداءِ بها، ومن المتعارفِ عليه علميا أنَّ إدارةَ العلاقاتِ العامَّةَ تتبعُ خطَّ السلطةِ العليا مباشرةً في المؤسَّسة عامَّةً كانت أو خاصَّةً.. ومن مهمَّاتها الأساسيَّـةِ أيضا تقديم النصحِ والمشورةِ لرجالِ الإدارةِ العليا وذلكَ نظرا لقربِها من الرأي العام والجماهيرِ المختلفةِ.. فعليها نقلَ اتجاهاتِ هذه الجماهيرِ وآرائها إلى أعلى وكذلكَ توصيلَ الآراءِ والقراراتِ والسياساتِ العامَّـةِ للمؤسَّساتِ إلى هذه الجماهير وهوَ ما يطلـقُ عليه الاتصالَ ذا المسارين ( أعلى وأسفل), وذلك من أجلِ الوصولِ إلى مرحلةِ التكيّفِ الاجتماعي المنشودِ بينَ المؤسَّساتِ والجماهيرِ المختلفةِ.
وإذا كانَ من يرأسُ إدارة العلاقــاتِ العامَّـةِ في عالمنا النامي هم من متوسطي التعليمِ والثقافــةِ وبأجــور ضعيفــــةٍ فإنَّ الواقعَ في الدّولِ المتقدِّمةِ غيرُ ذلك, إذ إنّ رئيسَ العلاقاتِ العامةِ عندهم يكونُ نائبا لرئيس المنشأة أو مديرَهَا لشئون العلاقــاتِ ويتمتعُ بسلطاتٍ واسعةٍ تجعلُ من إدارته تحتلُّ مكانــةً بارزةً ممّا يؤهلُها إلى تأدية مهمّاتها على أكملِ وجهٍ .. ففي إدارة العلاقاتِ العامة بكلّ منشأة تتجمّعُ التفاعلات الإيجابية وغير الإيجابية وفيها – أو هكذا يفترضُ – يوضعُ التصوّرُ الحقيقيٌّ لمسيرة المنشأةِ لأنَّ إدارة العلاقاتِ العامَّةِ بمثابةِ الترمومترِ يقيسُ نبضَ التفاعلاتِ والإنجازاتِ الداخليةِ والخارجيةِ ويحدِّدُ العلاجَ المناسبَ الذي يخدمُ أهدافَ المنشأةِ والمتعاملينَ معها.
ومن جانب آخرَ فــإنّ التواصلَ الإعلاميَّ من أهمِّ مهمَّاتِ العلاقاتِ العامَّةِ باستخدامِ كافَّـةِ قنواتِ الاتصالِ لمخاطبةِ الرأي العام وإبـراز إنجازاتِ المنشأةِ وتدعيم الثقةِ بينها وبينَ المتعاملين معها وتوعية الجمهورِ وكذلك مخاطبة أجهزةِ ومرافقِ المنشأةِ بما يخدمُ أهدافَها وإنجازاتها.. وهذه أمورٌ تتطلبُ فكرا ومهاراتٍ مؤهلةٌ بمقدرةٍ للتعاملِ معَ وسائل الإعلام بالشكل الذي يحقّقُ أهدافها.. ويدركُ رجالُ العلاقاتِ العامة أنَّ وسائلَ الإعلام لا تقعُ تحتَ مسئولياتهم مباشرةً ولكنَّها محكومة بالصحافيينَ والإذاعيينَ الذينَ يمثلونَ حارسَ البوابة بينَهم وبينَ الجمهور، ولذلكَ يجبُ أن يكونَ المشتغلونَ بالقسم الإعلامي في إدارات العلاقات العامَّةِ ممن يجيدونَ التعاملَ مع فنون الصَحافةِ والنشرِ المقنع بحيث يستطيعونَ إعداد الأخبارِ والنشراتِ والمواد الإعلاميةِ الجديرةِ بالنشرِ والإذاعةِ دونَ الحاجةِ إلى المراجعةِ بالحذفِ والإضافةِ والتحريرِ والصياغةِ من قبلِ أجهزةِ الإعلامِ.. ولا بدّ أن تكونَ الأخبارُ والتحقيقاتُ والتقاريرُ واللقاءاتُ معدّةً بصورةٍ تثيرُ اهتمامَ القارئ والمستمعِ والمشاهدِ وتبعثُ على الحيادِ والثقــةِ والمصداقيــةِ وعدمِ المبالغــةِ .. كما يجبُ أن يكونوا مدركينَ لمقاييس انتقــاءِ الأخبـــارِ وما يصلحُ للنشر والإذاعة بحيث لا يتنافى معَ السياسةِ الإعلاميةِ للدولة وبحيث لا يتعارضُ مع اللياقــةِ والأخلاقِ والذوقِ السليمِ.. وأيضا ضرورةُ مراعاةِ توافرِ عنصر الحاليّةِ والآنيّةِ باعتبار أنَّ الأخبارَ سلعةٌ سريعــةُ التلفِ.. على أن تكـــونَ الأخبارُ والموادُ الإعلاميةُ من ما يقعُ في دائرة اهتمام أكبر نسبةٍ من الناسِ باعتبار أن أنجحَ الأخبار هي التي تمسُّ اهتمامات المتلقين وميولَهم وأحوالَهم المعيشية..
وفي الحقيقة أن رجلَ العلاقاتِ العامَّةِ هو في الأساس – أو هكذا يجبُ- رجلُ إعلام بكلّ ما لهذه المهنةِ من صفات وخصائصَ ومهارات تؤهلُ صاحبها من أداء مهمّته بمقدرةٍ وكفاءةٍ.. بيدَ أن العرفَ السائدَ في وسائل الإعلام هوَ أنَّ رجلَ العلاقاتِ العامَّةِ موظفٌ موجودٌ في الأساسِ لخدمتِها وأنَّها – أيْ وسائلِ الإعلامِ- صاحبةُ الفضل التي يجبُ خدمتها.. وهذه قضية جدليّــة نشأت مع الاعتقاد- كما قلنا سابقا- بأنَّ الدعايةَ صفة ملازمة لمهمّاتِ العلاقاتِ العامةِ.. وهو اعتقادٌ – على الرّغم من عدمِ صوابــه- أسهمت إداراتُ العلاقــاتِ العامـَّــةِ نفسها في تكوينــه.. ويمكنُ تجاوزُ هذه الإشكاليةِ فيما إذا أدركَ الإعلاميونَ بأن إداراتِ العلاقاتِ تمثلُ مصدرا مهمّا لأخبارهم والمعلومات التي تهـمُّ مجتمعَهم المستهدفَ برسائلهم.. وفي المقابلِ التزامُ رجالِ العلاقـات بالموضوعيـــةِ والحرصِ على المصداقيـــةِ في أنشطتهم الإعلاميــةِ.. فأكثرُ الرسائلِ نجاحا هي تلك التي ترتكزُ على المصداقيــةِ.. ومن جانــب آخرَ الإدراكُ بأنَّــهُ ليسَ المهمُّ أن تنشرَ أو تذيعَ ولكنَّ الأهمَّ هوَ ماذا تنشرُ وماذا تذيعُ وبأيّةِ صيغةٍ؟..
ولا اعتقدُ أنَّهُ من المناسبِ في هذا المقامِ تناولُ التفاصيلِ الدقيقةِ للممارسةِ العمليةِ في إدارات العلاقات العامة فتلكَ قضية متوافرة بكلِّ أبعادها في المراجعِ المختلفةِ التي تعني بشئون العلاقات العامَّة كتخصُّصٍ ومهنةٍ ودورٍ.. إلَّا أنّهُ بالنظر إلى الواقع من كلِّ جوانبـــه يمكنُ الوصول إلى نتيجـــةٍ واضحــةٍ بأنَّ الممارسةَ الفعليةَ في ساحة العلاقات العامّة في المؤسّسات الخاصّة والعامّة.. لا تقتربُ من الصوابِ كثيرا.. وأنَّ العمليةَ لا تعدو أكثر من اجتهادات تخضعُ لعامل الخطأ والصوابِ.. فإذا كانَ هذا هو واقعَ الممارسةِ فــإنَّ العلاقــةَ بينَ إدارات العلاقــات العامّــة وبينَ وسائــلِ الإعلامِ ليست علاقةً تكامليــةً بقدر ما هي علاقةُ مستفيـــدٍ ( العلاقات) وممتنٍ ( وسائل الإعلام)، فبينما يرى مسئولو العلاقاتِ العامةِ أنَّ كلَّ ما يعدّونه من مواد إعلامية صالحةٌ للنشرِ فإنَّ الإعلاميين يفضلون الاتصال مباشرةً برجال الإدارةِ العامّةِ في المنشأةِ التي تمثِّلها إدارةُ العلاقاتِ العامَّةِ, وهذا ما يجعلُ رجالُ العلاقاتِ العامَّةِ يعتقـدونَ من جانب آخرَ بأنّ هذا يمثلُ نظرةً ( دونيّةً) لهم من قبل رجال الإعلام.. ولعلَّ هذا الخلافَ في وجهات النظر – والذي قلنا إنَّـه نشأَ نتيجةَ ( المفهوم والممارسة) – يلقي المسئوليةَ على رجالِ العلاقاتِ لإزالته, وقد يكونُ ذلكَ عن طريق بناء جسرٍ من المعاملةِ القائمةِ على الثقةِ والاحترامِ المتبادلِ, وبناء الذات بما يـؤدّي إلى الاقتناعِ بالقدرةِ وأهمّية العطاء، ومن المؤكّدِ أنَّ بناءَ جسور العلاقة التكاملية بينَ الوسائلِ الإعلاميةِ وإداراتِ العلاقاتِ يتطلّبُ في الجانب التطبيقي وجودَ تنظيمٍ إداري واضحٍ وتخطيطٍ استراتيجي للمهمّات, والحرصَ على أن تكونَ الطاقاتُ البشريةُ العاملةُ في العلاقاتِ من ذوي القدراتِ والمؤهلاتِ الشخصيةِ, وقبل كل شيءٍ تصحيحُ مفهوم ماهيّة العلاقات العامة.
هذه خطوط ٌعريضةٌ لموضوعٍ كبيرٍ أردتُ أن تشاركونا المناقشةَ فيه.. والمعذرة في التقصيرِ.. والسَّلام.
د. ساعد العرابي الحارثي
إمارة المنطقة الشرقية -الدمام