الإعلامُ الإسلاميُّ 1
1410هـ -1989م:
يُخيّلُ إليّ – وأنا أقرِّرُ بواقعيّةٍ محضةٍ أنَّ مصطلحَ ” الإعلامِ الإسلاميِّ” مصطلحٌ فارغُ المحتوى، ومشبعٌ بالعاطفةِ، ولا لزومَ له في الوقتِ الحالي- أنَّ عددَ الذينَ يتفِّقونَ معي في هذا الطرحِ يفوقُ بكثيرٍ عددَ أولئكَ الذينَ يدفعُهم الحماسُ – من منطلقِ الشفقةِ على الواقعِ الإسلامي المعاصرِ- إلى معارضةِ، بل ورفضِ هذا الرأي باعتبارِهِ قاسيا ومثبّطا, فإذا جرَّدنا حوارَنا من أيّ أطُرٍ عاطفيةٍ، وفرَّغنا أطروحاتِنا من شحناتِ الحماسِ، ووضعناها في قوالبَ علميةٍ مجرَّدةٍ، نستطيعُ أن نتحقَّقَ من أنّنا لا نستطيعُ بناء إعلامٍ إسلاميٍّ في بيئةٍ متنافرةٍ سياسيا رغمَ رباطِ العقيدةِ، ومتباعدةٍ وجدانيا رغم وحدةِ التطلعِ والهدفِ, والإعلام الإسلامي- بفهمِنا الحالي- لا يمكنُ أن يصنعَ لنا ذاتيةً، أو يعيد لنا هويّةً طالما نحنُ شتاتٌ، نعتنقُ أو نتبنّى أفكارا متباينةٌ إنْ لم تكنْ متناقضةٌ.. ولا يمكنُ أن يضمنَ لنا صياغة عقلٍ جمعيٍّ ونحنُ نمارسُ الاتّصال في اتّجاهٍ واحدٍ ( من أعلى إلى أدنى).
إذن، نستطيعُ أن نقولَ أيضا: إنّ البيئةَ الإسلاميةَ المعاصرةَ غير مهيأةٍ سياسيا واقتصاديا وثقافيا للتفاعلِ معَ محاولاتِ ” أسلمةِ الإعلامِ”، علاوةُ على افتقارِ وسائلِ الإعلامِ نفسها إلى الكوادرِ الإعلاميةِ المؤهلةِ عقديا بشكلٍ كامل ٍوالقادرةِ على تحمِّلِ المسئوليةِ بكفاءةٍ ومرونةٍ عاليةٍ.
وأعتقدُ أنَّ مشكلة الإعلامِ الإسلامي تكمنُ في عجزِ المسلمين عن التعاملِ معه: ضعفا في العقيدةِ، وضعفا في المفهومِ، وضعفا في الاستيعابِ، وضعفا في العطاءِ.
ويصبحُ المصطلحُ ذا دلالةٍ واضحةٍ إذا أوجدنا – في البدايةِ- الإعلام المسلم، القادر على توظيفِ وسيلةٍ – بكفاءةٍ واقتدارٍ- للمشاركةِ في بناءِ المجتمعِ المسلمِ وأحكامِ بنيتِهِ، ثمَّ محاولةِ اختراقِ المجتمعاتِ الدوليةِ، ومخاطبةِ وإقناعِ العقلِ العالمي بالدينِ الإسلاميِ، دينِ العلمِ والحضارةِ والدولـةِ، وبالتأكيدِ فإنَّ هذا لن يكونَ في ظلِّ أنظمةٍ سياسيةٍ يصعبُ الاتفاق بين أعضائِها وفي ظلِّ عدائِها مع بعضِها البعض.
وقبل تحديدِ ماهيِّةِ الإعلامِ الإسلامي يمكنُنا النظرَ في تعريفِ أتوجروف للإعلامِ والذي يصفُ فيه الإعلام بأنّه ” التعبير الموضوعي لعقليةِ الجماهيرِ ولروحها وميولها واتجاهاتها في الوقتِ ذاته”. وإذا اعتمدنا هذا التعريفَ- الذي اصطلح عليه الأكاديميون في مجالِ الإعلامِ- فإنَّ من الصعبِ النظرَ إلى الإعلامِ في العالمِ الإسلامي بمعزلٍ عن الظّروفِ الثقافيةِ والاقتصاديةِ.. والإعلام بالطبعِ لا ينشأ في فراغٍ، وكما أنّ وسائل الإعلامِ- بحكمِ خصائصها- تملكُ القدرةَ على التأثيرِ في ميولِ واتجاهاتِ وأفكارِ الجماهيرِ، فإنَّها- في المقابلِ- تتأثــرُ سلبا وإيجابا بمجتمعها. ولو استقرأنا أو حلّلنا الواقــعَ المعاصــرَ للعالـــمِ الإسلامي لوجدنا أنّ المجتمعاتِ الإسلامية تقتربُ أو تبتعدُ بدرجاتٍ متفاوتةٍ عن حقيقةِ وجوهرِ الإسلامِ.
وحتّى نكوّنَ رؤيةٍ واضحةٍ حول موقعٍ وحجمٍ الإعلامٍ الإسلامي- الذي يرتبطُ مباشرةً بعقليةِ الدولةِ المسلمةِ نفسِها- نقولُ: إن الإسلام قد مرَّ عبرَ تاريخه – بعدَ الخلافةِ الراشدةِ بالذاتِ- بمنعطفاتٍ متعددةٍ أدخلت الكثيرَ من المفاهيمِ التي تمخّضتْ في تكوينِ وبناءِ صورٍ جديدةٍ تختلفُ في ملامحِها وأبعادِها رغم ارتباطِها بالأصلِ، واستمرَّ بناءِ هذه الصورِ بمنحى بعيدٍ عن جوهرِ العقيدةِ الإسلاميةِ.. وما إنْ خضعتْ الدّولِ الإسلاميةِ للاستعمارِ حتَّى وجدت الديانتانِ اليهوديةُ والمسيحيةُ فرصتهما في إعلانِ العداوةِ والكيدِ للإسلامِ باعتبارِهِ خطرا يهدِّدُ كيانهما، ولذا كانت الهجمة على الإسلامِ – كما يحدَّثنا التاريخُ القريبُ – حادّةً وشرسةً، استخدمت فيها أقسى وأذكى الأساليبِ والحيلِ لمحاصرةِ الإسلامِ وعزلِهِ عن الحياةِ مع خلخلةِ البناءِ العقدي لدى المسلمين، واستسلمت الدّول الإسلامية – بسبب ضعفها وتخلّفها- لهذه الهجمةِ، واستبدلت برابطةِ الدينِ الرابطةِ الإنسانيةِ، ودخلتْ في سياساتِ المحاورِ وتخلَّت عن الانتصارِ للمعتقداتِ الإسلاميةِ, غير أن كلَّ الجهودِ التي بذلها المستعمرُ للقضاءِ على الإسلامِ لم تفلحْ، ولكنَّه نجحَ في صياغةِ سلوكِ سكانِ مستعمراتِهِ، واستطاعَ أن يرسمَ لنفسِهِ صورةٍ ذاتيةٍ مقتحمةٍ في أذهانِ هؤلاءِ السكانِ.. صورةٍ مثاليةٍ جعلتْ منه نموذجا للحضارةِ والتقدُّمِ.. واستغلَّ- لتحقيقِ هذهِ الغايةِ- معطياتِهِ العلمية والتقنية الباهرة.. كما انتهزَ فرصةَ ” الدوخةِ” التي عانى منها- وما يزالُ- العالمُ الإسلاميُّ، ونجح الاستعمار –أيضا- في أن يحصر ممارساتِ المسلمين في العباداتِ، واستفزّ حاجتَهم للغذاءِ والكساءِ والصحّةِ والتطوّرِ وقادهم ” مغنطيسيا ” إلى محاكاةِ الغربِ ليسَ في ابتكاراتِه وإنجازاتِه ولكن – وهذه المشكلة – في ثقافتِهِ ” CULTURE ” .. ورغمَ أنّ هذه الحملاتِ التشكيكيّة لم تصلْ إلى جوهرِ التوحيدِ والعباداتِ إلا أنَّها زعزعتِ الثقة في قدرةِ الإسلامِ على مسايرةِ العصرِ، وأضعفتْ حماسَ واستعدادَ المسلمين إلى مواجهةِ التحدّياتِ الاجتماعيةِ والاقتصاديةِ والعلميةِ والثقافيةِ المعاصرةِ، وهذه الحملات التشكيكيّة لم تأتِ اعتباطا إذ ما يزالُ الإعلامُ اليهوديُّ والغربيُّ يعملُ جاهدا لإحداثِ شرخٍ داخل عقليةِ ونفسيةِ المسلمِ اعتمادا على نظريةِ ( هيدر) خبير الاتصالِ الأمريكي عن التوازنِ ” إن النجاحَ في التشكيكِ يؤدّي إلى حالةٍ غيرِ متوازنةٍ وهذا يمثّلُ مقدِّمةً أساسيةً للتغييرِ المطلوبِ”. وهذه هي فلسفة الغزوِ الثقافي أو الفكري للمجتمعاتِ الأقلِّ حظّا في التعليمِ.
وأخيرا رحــلَ الاستعمارُ- طائعا أو مكرها- استجابــة لإرادةِ الشعوبِ.. ولكن هل رحلَ دون أن يتركَ بصماتِهِ على الفعلِ اليومي في الحياةِ العامّةِ لسكانِ المستعمراتِ؟ لقد رحلَ بالفعلِ، ولكنَّه خلّف وراءه ثقافته وأنماطه الاجتماعية والسلوكية التي تتعارضُ مع القيمِ الروحيةِ الأصيلةِ, رحلَ كاستعمارٍ استيطانيٍّ وعادَ في أشكالٍ وصورٍ شتَّى، وخاصَّةً بعد أن شهدَ هذا القرنُ ثورةً اتصاليةً هائلةً.. واستطاعَ الغربُ – صانعُ هذهِ الثورةِ وبطلُها- أن يستثمرَ تقنياتِ الاتصالِ إلى أقصى حدٍّ في التعرُّفِ على عقلياتِ الشعوبِ، وتركيباتِها الثقافيــةِ والنفسيةِ حتَّى يُسهِّلَ عليه العودة إلى اختراقِها والسيطرةِ عليها.. وكانَ العالـم الإسلامي هو أكثر ” الضحايا” أهمّيةً، والذي كانَ مرمى لأهدافٍ وسياسياتٍ محكمةٍ، استهدفت قيمَه وعاداتِه وثقافاته ومضامينَه الاجتماعيةَ القائمةَ على الفعلِ الإسلامي، لتحلَّ محلَّها قيمٌ مادّيةٌ وفكريةٌ باعتبارها رمزا للحضارةِ، وتمكّنُ الغربُ من إقناعنا بأنّ الدينَ والحضارةَ نقيضانِ، وإذا أرادَ المسلمونَ التخلُّص من براثن التخلُّف عليهم أن يتخلَّوا عن جذورهم المحليةِ التي تعرقلُ خطاهم وأن يأخذوا بأسبابِ المدنيةِ, وهنا يحدثُ الانفصال بين الانتماءِ العقدي والفعلِ المادي.
إذن، فإنَّ الواقــعَ الإسلاميَّ الحالي يقودنــا إلى النظرِ في محتوى وسائـــلِ إعلامـِــهِ بمنظورٍ لا يختلفُ عن التعريـفِ الذي وردَ في مستهلِّ هذا الموضوعِ لأتوجروت، وهو التعريفُ الأقربُ إلى الصحّةِ عندَ الحديثِ عن ماهيّةِ الإعلامِ, فإذا كانت الوسائلُ الإعلاميةُ تتمثَّلُ في نقلِ الأفكارِ والمشاعرِ والمعرفةِ, وتعكسُ واقعَ المجتمعِ بكلِّ مكوناتِه فإنّ من المستحيلِ محاكمتها بمعيارٍ إسلاميٍّ والمجتمع نفسه يبتعدُ بسلوكياته كثيرا عن الروحِ الإسلاميةِ, وهذا لا يعفي- بالطبعِ- وسائل الإعلامِ في العالمِ الإسلامي من تحمُّلِ مسئولياتِها وممارسةِ مهمّاتِها بما يتّفق وجوهرَ عقيدةِ المجتمعِ الذي تعملُ فيه، غير أنّ من الإنصافِ ألاّ نتحدثَ عن رجلِ الإعلامِ – وهو المصمِّم والمرسلِ للرسالةِ الإعلاميةِ- خارج إطارِ مجتمعِهِ.
وإذا عدنا إلى الأصالةِ، وإلى الجذورِ الإسلاميةِ بكلِّ جوانبها المشرقةِ الساميةِ بعيدا عن الإخفاقاتِ وعن بعضِ المفاهيمِ والممارساتِ الإسلاميةِ المعاصرةِ فإنّها تستطيعُ تعريفَ الإعلامِ الإسلاميِّ بأنّه ما يقومُ على الحقِّ والحقيقةِ، وعلى الالتزامِ بالموضوعيةِ، ولا يخرجُ عن الصدقِ فيما يقولُ ويعرضُ, ولا يتعاملُ مع ما هو خارجُ إطارِ الحقيقةِ وإطارِ الأخلاقِ، ولا يرتكزُ على الذاتيةِ في مخاطبةِ جماهيرِهِ.. وهو- حقيقةً- إعلامُ السموِّ والفضيلةِ والسلامِ.
ولكن هل يمكنُ أن تتجسّدَ هذه الصفاتُ وهذه المفاهيمُ تحتَ مظلّةِ هذا العالمِ المعقَّدِ الذي يشهدُ تنافسا محموما للسيطرةِ على حاجاتِ وتوجّهاتِ الشعوبِ؟ يقولُ البعضُ: إنّ الزيفَ والخداعَ من صفاتِ وسماتِ هذا العصرِ، ومن المستحيلِ الانعزالُ عن الظروفِ العالميـةِ المعاصرةِ، وأنّنا في رسائِلنا ننخدعُ بالفعلِ الاتصالي، وننقلُ الأفكارَ والمشاعرَ والمعارفَ دون استنطاقِ غاياتها، إذن فنحنُ نمارسُ الزيفَ والخداعَ – بوعي منا أو عفويةٍ – غير أنّ هذا الرأي يدخلُ في المفاهيمِ الخاطئةِ، لأنّنا عندما ابتعدنا عن المنهجِ الإسلامي فقدنا هويتنا، ولم تعدْ لدينا رسالةٌ واضحةُ المعالمِ، يجتذبُ مضمونها شعوبَ العالمِ، وضعفتْ حيويتنا، وضاعَ منا الطريقُ وركضنا نلهثُ وراء النقلِ الناقصِ والتقليدِ المهترئ، ولذلك اخترنا لخيرِ أمَّةٍ أخرجتْ للناسِ أن تكونَ تابعةً لا متبوعةً، ومنقادةً لا قائدةً، بعكسِ ما أختار الغرب لمجتمعاتِهِ عبرَ ممارساتـِـهِ الإعلاميــةِ، اختــار لها ” المسئوليـة الاجتماعية” لتكونَ معيارا أساسيا يحكمُ المضمون الإعلامي بما يتّفقُ مع انتماءاتِهِ العقديةِ، وتوجّهاتِهِ السياسيةِ، وتطلّعاتِهِ الاقتصاديةِ والاجتماعيةِ، ولم يحدْ عن هذهِ المسئوليةِ التي أصبحتْ هي القانون الذي يسيّرُ إعلامه.
وكي نصلَ إلى إعلامٍ إسلاميٍّ ناجـــحٍ يجبُ علينا تصحيحُ مفهومِ الإعلامِ في العديدِ من دولِ العالمِ الإسلاميِ أوَّلا، وحتى يصبحَ مفهومُ الإعلامِ الإسلاميِّ أشملَ وأكثرَ عمقا لا بدّ من القضاءِ على الازدواجيةِ في وسائـلِ الإعلامِ بين ما يسمَّى برامجَ أو موادَ دينيةً وغيرَ دينيةٍ، لأن وسائلَ الإعلامِ في الدولةِ المسلمةِ يجبُ أن تبني رسائلها على قاعدةٍ إسلاميةٍ صحيحةٍ وبالتالي يمكنُ أن يختفي هذا التصنيفُ، فالإسلام دينٌ شموليٌّ صالحٌ لكلِّ زمانٍ ومكانٍ، ويملكُ كلَّ مسبباتِ التعاملِ مع معطياتِ الحضارةِ، بل ويساهمُ فيها بقوّةٍ واقتدارٍ عن طريقِ استخدامِ التكنيكِ الإعلامي المؤثِّرِ في بناءِ الوعي الاجتماعي وترسيخِ المفاهيمِ الإسلاميةِ القائمةِ على الصدقِ في الأداءِ وفي التعاملِ، وفي العطاءِ، وعلى احترامِ الذاتِ الإنسانيةِ.
وإذا علمنا أن الإعلامَ العربي يقومُ على النظريةِ ” الإيحائيــةِ” في مضامينه، فإن القرآنَ الكريمَ هوَ أوَّلُ من اعتمدَ هذه النظريةَ في مخاطبةِ الناسِ.. ولكننا – بكلّ أسفٍ- تنكّبنا الطريقَ، وبيننا الآن من يطالبُ بالابتعادِ عن استخدامِ وسائلِ الإعلامِ المعاصرةِ جملةً وتفصيلا، على الرّغمِ من أنّ الإسلام لم يخترعْ وسائل انتشاره بل استخدمَ ما كانَ متاحا منها وموجودا قبل نزولِهِ، ولم يحظرها.
ويقولُ لاوند: إنّ الإسلام ” ليسَ رؤية اعتقادية وحسب، إنه باعتراف كلِّ الدارسين من مسلمين وغيرِ مسلمين طريقةٌ في التفكير وأسلوبٌ في العيشِ وخطَّة في التعاملِ، أي أنّه عقيدةٌ وشريعةٌ وآدابٌ وسلوكٌ” وبتعبيرٍ آخرَ فهو فلسفةٌ متكاملةٌ، ومنهجٌ متماسكٌ قاعدته الإيمان وقمَّته الالتزام بسلوكٍ معيّنٍ، فإذا استوعبنا – نحنُ المسلمين- هذا المفهومَ، وصارتْ اعتقاداتنا تتطابقُ مع سلوكياتنا فإننا سنكسبُ احترامَ العالمِ، وحين يتجسّدُ الإسلام في معاملاتِنا، ويحكمُ توجّهاتِنا وعطاءنا، ويصبحُ خيارنا الوحيدَ نستطيعُ بعدَ ذلكَ أن نقدِّمَ للعالمِ نموذجا إعلاميا قويا ومهيبا وقادرا على التأثيرِ الفوري.
وكي نبنيَ إعلاما إسلاميا لا بدّ أولا من تصحيحِ المفهومِ واستثمارِ كلِّ التقنياتِ الإعلاميةِ الحديثةِ في إقناعِ الشعوبِ بأنَّ لنا رسالةً كبرى تجاه العالمِ.. رسالةً تهدفُ إلى إنقاذِ البشريةِ من جبروتِ الآلةِ و ” طاحون” الحياةِ المادِّيةِ القاسيةِ.
ونخلصُ إلى القولِ بأنّ الإعلامَ الإسلامي مثله مثل النشاطاتِ الإسلاميةِ الأخرى كالتعليمِ والاقتصادِ والفقهِ الدستوري يرتبطُ بالفكرِ العام للدولةِ، وبتوجّهاتِ الجماهيرِ وتطلعاتها، فإنْ أردنا له أن يكونَ إسلاميا لا بدّ من:
– النهوضِ بالمجتمعاتِ المحليــةِ وتطويرِها حتى تتمَّ صياغــة وبناء الأمّةِ الإسلاميةِ التي تتمكنُ من استعادةِ أمجادِها وموقعِها في خارطةِ الحضارةِ الإسلاميةِ.
– إقناعِ العالمِ بالفكرِ والسلوكِ والعطاءِ بأنّنا أمّةٌ ذات رسالةٍ عظيمةٍ وعالميةٍ.
– أن تكونَ اهتماماتنا مركّزة في صيانةِ الحياةِ البشريةِ والنشاطاتِ الإنسانيةِ الكبرى.
– إعدادِ رجلِ الإعلامِ المسلمِ إعدادا علميا ومهنيا يمكّنُه من استخدامِ كلّ معطياتِ التقنيةِ الإعلاميةِ المعاصرةِ.
– ربطِ المناهجِ التعليميةِ- في اختلافِ المراحلِ- بالأهدافِ والغاياتِ الإسلاميةِ.
– صياغةِ الفكرِ القانوني عموما من الشرعِ الإسلاميِ.
– محاولةِ إعادةِ بناءِ الشخصيةِ السليمةِ والقويةِ للاقتصادِ الإسلاميِ.
– التوقفِ عنِ الاجتهاداتِ البعيدةِ عن روحِ الإسلامِ حول ماهيّةِ الإعلامِ وكيفيةِ استخدامِهِ لكي لا تنحسرَ وسائط معاصرةٌ مهمّةٌ في بناءِ الذاتِ الإسلاميةِ، ومن تحقيقِ أهدافِ رسالتهِِ.
وإذا كنا نؤمنُ حقّا بأنّ الدّينَ الإسلاميَّ يمثِّلُ في جوهرِهِ قمَّة فضائـــلِ السلوكِ البشري فلماذا لا يكونُ هو – لا غيره – مصدرَ نشاطنا؟ وكما ذكــرَ أحدُ علماءِ المسلمين أنّه حينَ ” تنطبقُ حياتُنا على قواعـدِ الإسلامِ وأركانه انطباقا كاملا تنبثقُ انبثاقا ذاتيا من تصوراتِ الإسلامِ ومفاهيمِهِ، ومن منهجِهِ السلوكي والعملي، عندها يكونُ لنا إعلامٌ إسلاميٌّ”.
د. ساعد العرابي الحارثي